يحي خليفه يكتب
أليس لهذا الفساد من نهاية؟
أولى علامات الفساد أن تُوسَّد الأمور لغير أصحابها، فيوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، وقد سُئل النبي (صلى الله عليه وسلم)، عن الساعة، فقال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة، وعندها يصير الحفاة العراة، رعاة الشاة وهم أهل الجهل والجفاء رؤوساً للناس، وأصحاب ثروة ومال، حتى يتطاولوا في البنيان، عندها، سيكونون هم مَن وُسِّد إليهم الأمر، وهم على هذه الحال من الجهل والجفاء، جباية المال واكتنازه، وليس اصلاح أحوال الناس علما وتعليما، ولا حرصا على مصالحهم وأموال بلدهم، حتى إنه لا يبالون بمن فسد منهم.
فإذا ما وضع الأخيار، ورفع الأشرار، واتخذوا على الناس رؤوسا جهالا، ووسّدت الأمور إليهم ساد الفساد وتفاقم، وانتشرت الرشوة واستفحلت، وانعكست سائر الأحوال، وصُدِّق الكذّاب، وكُذِّب الصادق، وأؤتمن الخائن، وخُوّن الأمين، وتكلّم الجاهل، وأفتى بغير علم، فضلَّ وأضلَّ، بعد أن أصبح العلم جهلاً والجهل علماً، وهناك، بالفعل من الفاسدين المعروفين بفسادهم من تقلّدوا أو ترأّسوا، أو أصبحوا أعضاء في لجان تبحث في الفساد والرشوة، هؤلاء هم مَن ترتفع أصواتهم بالإصلاح عندما تغلق عنهم صنابير المال، وتخمد عندما ترتفع أجور عمالتهم، فهل لهذا الفساد من نهاية؟!
للفساد تاريخ طويل وحافل بالكوارث، قد يكون لكل منا حكاية، أو طرفة يمكن أن يرويها، والطرفة المقصود بها هنا، إلى أي مدى أصبح الفساد متجذراً لدرجة أننا بتنا نلقب واقعة الفساد بالطرفة، ربما يقول أحدنا إنه بدأ مع الانفتاح الاقتصادى، وعصر التحولات الكبير، بعد أن ترعرع عدد من الناس، وأمسى يسبق اسمه رجل الأعمال، وبعد فترة، تغير لرجل المال، وبتنا نشاهد أسماء كثيرة جدا جدا، لأٌناس لم يكن لهم تاريخ، ونشأوا كما الزرع الشيطاني، بلا مقدمات، لذلك كانت النتائج غير متوقعة.
وربما يرجع بنا أحد آخر لتاريخ أسبق وحقبة مختلفة، لكن الثابت والذي لن يختلف عليه أحدنا، أن الفساد ينمو ويزدهر ويترعرع، حتى بات واقعا نعايشه ونتعايش معه، وتحول إلى ما أشبه بقصة ما قبل النوم التي تٌحكى للأطفال كل ليلة، فلا تأتي ليلة إلا ومعها حكايات وروايات نرددها عن الفساد دون انزعاج أو كلل أو ملل، ولما يمكن أن يحدث أي من هذا، فنحن بشكل أو آخر طرف أصيل في معادلة الفساد، وأرجو ألا تفهم حديثي بشكل خطأ، فلم أقصد أنك فاسد، ولكن من المؤكد أنك تعلم به وتتحدث عنه، وأضعف الإيمان أنك شاهدته، حينما كنت تنجز إجراءً ما في مكان ما، ومن خلال ما سبق وما ذكرنا يتضح لنا أن للفساد تاريخ طويل وحافل بالكوارث، قد يكون لكل منا حكاية حتى نرتقي ونتقدم بوطننا العزيز مصرنا الغالية .

