كتب / محمد جابر

يراودني هذا التساؤل كيف نتعامل مع من يضمر العداء ويتقن لبس قناع الود، ثم لا يتوانى عن إلصاق الباطل، ولا يكترث بتشويه السمعة أو نفي الفضل ثمة نوع من العلاقات، قد تبدو على ظاهرها مستقرة، لكنها في جوهرها مسرح لعداوات خفيّة، يتقن فيها الطرف الآخر فنّ الإساءة الصامتة، والإيذاء غير المباشر، والتلويح بالتهم دون بيّنة. في مثل هذه الحالات، يكون الانسحاب الواعي لا خيارًا طارئًا، بل ضرورة مُلحّة لحماية الكرامة والحفاظ على السلامة النفسية.
ليس الانسحاب دائمًا فعل هروب أو خضوع،او خوفا من المواجهه بل قد يكون موقفًا عقلانيًا نابعًا من يقظة داخلية، تُدرك أن الاستمرار في علاقة يشوبها الخداع والضغينة هو نوع من العنف النفسي الذاتي. فالصمت عن الباطل، والتغاضي عن تكرار الإهانة تحت ستار الزمالة أو الصداقة أو الواجب، يُعدّ استنزافًا بطيئًا للروح.
الانسحاب الواعي يعني الخروج من علاقة لا تتيح لك أن تكون كما أنت، ولا تفتح لك مجالًا للنمو أو الأمان. هو قرار يصدر عن شخص أدرك أن المراهنة على التغيير في طرف يتلذذ بالعدوانية المقنّعة، ليست إلا مضيعة للوقت والعمر.
يحمل البعض في طباعهم الضغينة الهادئة وهي أخطر أنواع الأذى النفسي، لأنها لا تظهر علنًا، بل تمارس عبر التلميح، التجاهل، التشكيك، والتشويه غير المباشر. هؤلاء يلقون التهم بلا دليل، ويُشهرون سيوف النقد تحت غطاء الحرص أو النصح.
قد يُمارس هذا السلوك عبر تصيّد الأخطاء، أو نفي الإنجازات، أو بث الإشاعات بشكل ممنهج. أما في العلاقات الاجتماعية، فيتجلى في الغيرة المقنعة، والتقليل من الشأن، وتسجيل النقاط في كل موقف.
الانسحاب الواعي لا يعني بالضرورة قطع العلاقات كليا، بل قد يكون انسحابا من التوقعات، أو من منح الثقة الزائدة، أو من محاولة الإصلاح المتكررة لمن لا يريد أن يتغيّر. هو انسحاب من التورط العاطفي، من التبرير المستمر، من السعي وراء من لا يُقدّر.
إنه انسحاب من التعلق المرضي، ومن الحاجة إلى القبول المرهونة برضا من يحمل لنا الأذى في قلبه وإن أخفاه بابتسامة عابرة.
فمن خلال هذه العلاقات المعقدة علينا أن ندرك أن الحضور في حياة الآخرين لا ينبغي أن يكون على حساب ذواتنا. فالكرامة والسلام النفسي أولى من المجاملة، والنضج يتجلى حين نقرر بوعي
..هنا تنتهي المسافة ..
لأنني أرفض أن أكون ساحة لعداوات غير معلنة
وأهلا بالعداوة المعلنه أحترمها وأقدر من يخوضها والبرهان ومراحل الأزعان هي الحد الفاصل
فلتكن خطواتنا مدروسة وقراراتنا مستندة إلى وعي لا إلى انفعال ولنؤمن أن الانسحاب من علاقة تحمل الضغينة هو احترام للذات
وليس خوفا أو نكران أو عقوق وسط تزاحم الحياة وأختلاط العلاقات الاجتماعية و تسارع وتيرتها تتعرض النفس البشرية إلي تقلبات هنا تبرز الحاجة الملحة إلى وقفة تأملية في دوائرنا الإنسانية، نعيد من خلالها تقييم من يستحق البقاء في محيطنا ومن آن أوانه لإزاحته فثمة أشخاص لا يقدرون المشاعر ولا يحترمون القيم. هم أولئك الذين يتجاهلون غيابك ويسارعون إلى الاصطفاف مع من يسيء إليك. يزعجهم فرحك ويصيبهم الحسد من ابتسامتك وتراهم أول المنسحبين عند الأزمات يردون الأبواب دون تردد في وجهك عند حاجتك إليهم. بل وقد يبلغ بهم الأمر حد الشماتة فيتجاوزون حدود الخصومة إلى ممارسات لا تليق حتى بالأغراب.
الأسوأ من كل ذلك أنهم يسارعون إلى محاسبتك بأشد الحساب على هفوة أو زلة غير عابئين بسياقها أو حجمها أو ما قدمته من قبل.
إنهم لا يترددون في بيع عشرتك لأتفه الأسباب ويبحثون عن الزلات لا عن الأعذار في علاقة أقرب ما تكون إلى الفخ منها إلى الأمان.
أمام هذا المشهد العبثي لا مفر من إدراك الحقيقة لا لوم عليهم ولا عتاب. فالنفوس التي امتلأت بالسواد لا ينتظر منها ضوء. وقلوبهم التي غمرها الحقد كالهباب لا يمكن أن تثمر ودا أو رحمة. هم كالسحاب المظلم الذي يحجب النور ويختنق تحت وطأته الأمل.
وعليه، فإن الانسحاب الواعي من علاقات كهذه لا يعد هزيمة أو ضعفا بل هو قمة الوعي والكرامة. فالحفاظ على الصحة النفسية والصفاء الداخلي أسمى من المجاملة الزائفة أو التورط في علاقات تطفئ الروح. إن الانسحاب الواعي وأعني الانسحاب الواعي لانه يعيد للإنسان أتزانه ويمنحه فرصة لإعادة بناء محيط إنساني نقي يقوم على الاحترام والتقدير المتبادل.
وعلية فأن من أعظم دروس النضج أن ندرك أن ليس كل من عرفناهم يستحقون البقاء وأن من واجبنا أحيانا أن نغلق الأبواب لا انتقاما بل صونا للذات.