كتب : محمد جابر

اعادة تشكيل المسار الوطني لحظة فارقه في التاريخ المصري المعاصر
حيث وضعت أسسا جديدة للعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ومن بين هذه اللحظات تأتي ثورة 30 يونيو 2013 كحدث استثنائي في التاريخ المعاصر لم تكن مجرد احتجاج عابر بل كانت ثورة إنقاذ وطن من براثن الاستقطاب وضرورة تاريخية لإنهاء مشروع كان يهدد هوية الدولة وبوابة لتنمية شاملة أعادت للمصريين الثقة في قدرة الدولة على التجدد والانبعاث.
وعليه نشير الي انه عقب ثورة 25 يناير 2011 دخلت مصر مرحلة انتقالية شابها الكثير من الارتباك السياسي والاجتماعي والاقتصادي تخللتها انتخابات أفضت إلى وصول جماعة الإخوان المتأسلمين إلى الحكم إلا أن ما أعقب ذلك من ممارسات اتسمت بالإقصاء السياسي وتغليب الأيديولوجيا على المصلحة الوطنية ساهم في تعميق الانقسام الشعبي والتهديد بجر الدولة إلى حالة من التفكك المؤسسي والسيطرة الفئوية
بدأت إرهاصات الغضب الشعبي تتشكل تدريجيا خصوصا مع اتساع رقعة الأزمات الاقتصادية وتدهور الخدمات وازدياد التدخلات الدينية في شؤون الدولة المدنية ومع إطلاق حركة تمرد انطلقت شرارة التعبئة الشعبية لتتحول إلى أكبر حشد جماهيري في تاريخ مصر الحديث في 30 يونيو 2013 حيث خرج المصريين في جميع ميادين مصر يطالبون برحيل النظام في مشهد معبر عن وحدة الإرادة الوطنية ورفض سياسة أخونة الدولة
لقد كانت ثورة يونيو أيضا ثورة على احتلال العقول باسم الدين وعلى مشروع يستهدف تحويل هوية الدولة المصرية من الوطنية الجامعة إلى دولة طائفية مرتهنة لمشروع الخلافة والتمكين
ثورة يونيو كانت دفاعا عن الإسلام الصحيح لا ضد الإسلام بل ضد تسييسه واستخدامه كستار للسلطة
كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحد خطاباته أن ثورة 30 يونيو لم تكن فقط ضد حكم فاشل بل ضد مشروع يهدف إلى إسقاط الدولة
لم تقف ثورة 30 يونيو عند حد إسقاط نظام بل مثلت نقطة انطلاق لمشروع وطني شامل يرتكز على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق رؤية تنموية تشمل البنية التحتية والإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة الجهاز الإداري ومحاربة الفساد.
إن ثورة يونيو ثورة الميادين والملايين ليست ثورة نخبة ولا أحزاب بل هي ثورة كل فئات الشعب المصري عمالا وفلاحين شبابا وشيوخا نساء ورجالا خرجوا جميعا يهتفون بصوت واحد
ارحل كلمة خرجت من القلب المجروح لا من دوافع سياسية ضيقة
لقد اجتمع الشعب كله في كل الميادين وفي كل المحافظات في مشهد لم ولن يتكرر بسهولة ليقول للعالم نحن الشعب نقرر مصيرنا
إن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد انتفاضة غضب، بل كانت تعبيرا عميقا عن إرادة أمة أرادت أن تنجو من الوقوع في فخ التقسيم والتطرف والوصاية الدينية. وقد فتحت هذه الثورة الباب أمام مشروع وطني جديد قائم على الاستقلال الوطني والهوية الجامعة والتنمية المستدامة.
تبقى ثورة يونيو ذكرى حية في ضمير المصريين وشاهدا على أن الشعوب قد تنام لكنها لا تموت
ثورة يونيو ثورة استكمال لمسار يناير من الخطأ اختزال ثورة 30 يونيو في كونها أنقلابا أو ثورة مضادة كما تدعي بعض الخطابات المغرضه بل هي بالأحرى امتداد طبيعي لمسار ثورة 25 يناير 2011 الذي انحرف عن مساره في ظل محاولات الاستحواذ السياسي والأيديولوجي وتغييب المطالب الحقيقية التي خرج الشعب من أجلها العيش والحريةو العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
فإذا كانت ثورة يناير قد فجرت طاقة التغيير وأزاحت نظاما طال حكمه فإن ثورة يونيو جاءت لتصحح المسار وتحول دون السقوط في استبداد بديل باسم الدين يحاول مصادرة الحريات وتفكيك مؤسسات الدولة.
ثورة يونيو لم تكن ضد ثورة يناير بل كانت لحمايتها من الاختطاف الأيديولوجي وإعادة توجيه أهدافها الوطنية
بل يمكن القول إن يونيو أنقذت يناير من مصير مجهول حين وضعت حدا لحكم استبدادي يرتدي عباءة الثورة بينما يمارس سياسة الإقصاء والتمكين
إن الإرادة الشعبية المصرية أثبتت من خلال الثورتين أنها قادرة على تصحيح أخطائها ومواصلة السعي نحو بناء دولة مدنية حديثة تكون فيها السيادة للشعب والمرجعية للمواطنة لا للأيديولوجيا
لقد أثبتت ثورتا يناير ويونيو أن الشعب المصري هو السيد الحقيقي للمشهد الوطني لا يقبل بالاستبداد سواء أتى بثوب الحكم الفردي أو بالشعارات الدينية ومن خلال التراكم الثوري بين 2011 و2013 تشكل الوعي الوطني الجديد الذي لا يستدرج بسهولة ولا يخدع بالشعارات بل يطالب بالفعل والإنجاز ويقف حارسا على بوابة هذا الوطن
مراجع
Springborg, R. 2014 Egypt after the Spring: Revolt and Reaction. Middle East Institute.