Uncategorized

هكذا تؤكل الكتف

يحي خليفة يكتب
هكذا تؤكل الكتف
هل تعرف من أين تؤكل الكتف؟ عبارة تـَرد إلى أسماعنا كثيراً، وفي حياتنا اليومية أيضاً، حتى بتنا نرددها بدون تفكير في مضمونها، عندما يتطلب الموقف ذكرها. حتى أولئك الذين لم يطلعوا على «مجمع الأمثال» للميداني أو غيره من كتب الأمثال، أدمنوا استعمالها، وربما لا يحوز الكثير من مستخدمي هذا المثل الإحاطة بأدنى فكرة عنه، لكنهم يرددونه بكل ثقة.
في الحقيقة، أنا شخصياً لم أكن أعرف من أين تؤكل الكتف في السابق، على الرغم من أن أهلنا في أيام خلت يذبحون الكثير من الحملان، أيام الربيع وغيرها، وحينما يَفِد إلينا بعض الضيوف الأعزاء، وهذا ديدن معظم البدو أو الريفيين. صراحة، لم يَدر في خلدي آنذاك؛ هل جميع من يجلسون إلى المائدة يعرفون من أين تؤكل الكتف! لم آبه بذلك وقتذاك، على الرغم من سماع تلك المقولة، -التي لم أكن أعي معناها-. ربما لو أجرينا اختبارا ساعتها للمتحلقين حول الطعام، عن طريقة «أكل الكتف» لفشل معظمهم، بما فيهم صاحب الطعام لأنه تبين أن لأكل الكتف طريقة معينة، لا تقلّ أهمية عن قراءة «دليل التشغيل» لأي آلة، وإلا لأصبحت العواقب وخيمة، لكن لحسن الحظ كان أهلونا يقطعون الذبائح إلى أوصال، فيختلط الكتف بغيره من قطع اللحم الأخرى، وبذلك لا يُفتضح أمر من لا يعرف من أين تؤكل الكتف.
يُضرب هذا المثل عادة للدلالة على الرجل المحنك، الواعي، والمتبصر، والذي له خبرة في معالجة شؤون الحياة، وقادر على فهم الواقع ومعايشته، ومن وجهة نظر إدارية قادر على تحديد أهدافه.
أعرف أيها القارئ الكريم، أنك متلهف لمعرفة طريقة أكل الكتف، أكثر من حرصك على قراءة ما كتبته في الأعلى، لكن ذلك الأمر يتطلب الروية. الكتف تؤكل من أسفلها، لا من أعلاها، أما أكلها من أعلاها فهو خطأ كبير؛ لأن المرق يكون بين لحم الكتف وعظمه، فإن بادرتَ إلى أكلها من أعلاها جَرَت المرقة، وانصبّت وضاعت هدراً، وإن أخذتها من أسفلها؛ انقشرت عن عظمها وبقيت المرقة ثابتة مكانها فوق العظم، وتكون بذلك تمكنت من اللحم والمرق معاً.
تساءلتُ كثيراً عن الأخطاء في حياتنا، من مهنية، وطبية، وعلمية، وتعليمية، وحتى في قيادة السيارة، والتعامل مع الجيران، تفكرت فيها، هل هي بسبب جهلنا؛ من أين تؤكل الكتف؟ وخصوصا القرارات الإدارية الخاطئة، التي يتم اتخاذها، ويتمّ التكتم عليها؟
أخيراً، عندما لم نكن نعرف من أين تؤكل الكتف كان الخير كثيراً، وكان هناك الكثير من “الأكتاف” مهيأة للأكل، لكن عندما تعلمنا ذلك، لم يعد بوسعنا شراء حتى ” نصف كتف” بسبب غلاء اللحوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى